bookssland.com » Mystery & Crime » إنتقام - رائد هيكل (best novels ever .txt) 📗

Book online «إنتقام - رائد هيكل (best novels ever .txt) 📗». Author رائد هيكل



1 2 3 4 5
Go to page:
إنتقام

إنتقام

رائد هيكل


 

 

 

المقدمة

 

تحت شجرة الظهيرة يستلقي الرجل كما لو أنجز كل المهمات الصعبة، يراجع الدفاتر القديمة المنسية في ذاكرة مليئة بالأمنيات والقلق، ثم يغلق باب الحيرة بنسيج من الوله والغرابة. لا يتذكر اسمه ولا عنوانه ولا عمره، قلبه ينبض وشوكته تئن، هو أسير الأزمنة الأولى التي لا يعرف مبتدأها ولا نهايتها، هو المسجون في قفصه الصدري حيرة وإرباكاً، هو ليس مجنونا ولا عاقلا، هو متنزه في مجلسه الصغير، في أفكاره، ودماغه الملعون بالطيش.  

منذ متى؟، لا يتذكر، ولايعرف أيضا ما الذي يشغله، ولا إلى أين الطريق؟، وأحياناً تغيب عنه الحقيقة إن كانت هي حاضرة في ذهنه. 

هل هو حيوان أم إنسان أم نبات متسلق في بيت طيني قديم على ناصية زقاق مسدود. 

ربما، يحتاج إلى من يتذكره، أو يذكره، لكنه يغفل الفكرة، ويسرح بعيداً في تفاصيل زقاق فيه بضع أشجار وبضع رجال يجلسون على الظل على تلة من الأحجار المجلوبة من المقابر، وهم يحتسون العرق تحت ضوء القمر، ومن بعيد يسمعون صوت مذياع ينبعث من أحد بيوت الزقاق، صوت فنان أرهقه الدهر لكنه مصرّ على الغناء. 

كان في شبابه نجم زمانه، واليوم لا أحد يتذكره حتى هو نسي نفسه، هل هو ذلك المغني، ذلك الفنان الذي كان، ليس متأكداً أيضاً، وفجأة تعجز عن تحديد من أنت، وما هيئتك في هذا الوجود فتلك حيرة كبرى.

 

على أية حال، سيقبل بالواقع على أنه جزء من تفاصيل هذا الكون المربك، على أنه حجر أم شجرة أم سلحفاة أم بيضة ديناصور منقرض، لكنه يشعر بألم في مكان من جسده، يحتاج إلى طعام لكي يسكت الألم، لو كان حجرا هل كان سيحس بالألم، ليس متأكداً، كان إلى جوار حجر كبير تحت الشجرة

يسأله: هل أنا منك؟.

لكنه لا يسمع سوى صداه ينبعث من أعماقه، يفكر أن عليه أن يكون شجاعا ويواجه نفسه بالحقيقة، هو إنسان بلا ذاكرة، وبلا عنوان، وعليه أن يبحث عن معنى لوجوده في الحياة بأن يبدأ الآن في ترتيب الأشياء، يختار اسمه وصفته ومهنته، وهو الذي لا يتذكر أي مهنة كان يمتهن، كما أن خبراته القديمة لا ذكرى لها، من الجيد انه يمشي ويتبول ويأكل، رغم أن العثور على الطعام مهمة صعبة ففي هذه المدينة التي جاءها، لا أحد يمنح شيئا دون مقابل، لا أحد يتوقف ليترحم عليك أو يسألك ماذا تريد أو يرد على تحيتك لا بأحسن منها، ولا أقل من ذلك، الصمت، العجلة هي التي تسيطر على الجميع، الكل مهرولون إلى أشغالهم وعائدون منها، الكل مشغول، الكل مرتبك، الكل خائف، الكل ملعون.

لا يعلم من تفاصيل المكان سوى أنه تحت شجرة، ينظر هل سيرى زقاقا، فلا يرى سوى البشر الهاربون إلى المكاتب والشركات والبيوت المتراصة فوق بعضها البعض، في بنايات عالية، بعضهم يقود سيارات وبعضهم يترجل، نساء ورجال وأطفال وعجائز، من كل حدب ينسلون وليس ثمة علامة على إمكانية للتفاهم معهم، يبدو ان لهم لغة مختلفة فالكلمات التي ينطقون بها غير مفهومة بالنسبة له، وأي لغة كان يتحدث "هو" لا يتذكر، فقط يمكنه أن يتحدث مع دماغه، مع تلك الجهة المجهولة في غيب بدنه، ثم يحاول أن يترجمها لكلمات فيعجز، كيف سيتفاهم معهم، سيكتفي إذن بالإشارة كأصم أبكم ويتأمل سحنتهم هم ليسووا غريبين عنه، سيتذكر بصعوبة أنهم أبناء جلدته، لكن لماذا هو عاجز عن فهم لغتهم، ما الذي جرى له أو لهم، هل هو في حلم، فإذا كان ذلك فسوف ينسى كل شيء بعد قليل ويضحك طويلا، سيحاول أن يستيقظ وأن يصدق أنه يحلم وعليه أن ينهض من سريره أو من منامه في مكان لا يتذكره داخل الحلم، لكن هذا الحلم طويل على ما يبدو، حلم يشبه حياة طويلة جدا، حياة مقلقه وقاسية.

ما الفرق بين النوم واليقظة؟ لقد خطرا بباله لكنه لم يفرق بينهما!

ما الحياة داخل حلم، وما الحلم داخل حياة، يتذكر بصعوبة دونما حاجة للغة يتذكر بها انه كان في عالم ما، وهناك كانوا يفصلون بين حياتين، حياة اليقظة وحياة المنام، لكن أيهما الحقيقة، أين الظل وأين الشجرة؟!، يقف على قدميه ويسير لخطوات، يقارن بينه وبين من حوله أحياناً يكتشف ان النظرات تلاحقه، فيكتشف انه عليهم أغطية وهو مجرد منها، هو إذن عار، 

ويسرع أحدهم فينهال عليه بعصا، الجميع يعرفون إنه قاتل لكنه "هو" لا يعرف، فقط سيشعر بالألم ويبدأ في الصراخ، اللغة التي لا تحتاج إلى ترجمة، والجميع حوله يضحكون، ويبدأ في الشعور بالفرح وسط الألم، فهاهو سيبدأ الآن في فهم لغة بنى جلدته، "إنه الضحك" سيقول لنفسه، أيضا دونما حاجة للغة أو إدراك أن "ا ل ض ح ك " هي كلمة أو مفردة من شيء اسمه اللغة، هو أمر مفهوم، متبادل ويتم الشعور به، لكن إذا كان فهمه وفهم الألم فسيفهم باقي مفرداتهم وتفاصيل حياتهم قليلا قليلا، شيئا فشيئا، هو جائع ومتألم والشرطي يحمله إلى مكان ليس بعيدا، وجمهرة من الناس تنقاد وراءهما، ويدخل به من بوابة كبيرة مكتوب عليها بعلامات يتذكر ان لها معنى في ذلك العالم القديم الذي كان ينتمي له، لكنها الآن لا معنى لها، هي أشياء مغفلة ومنسية وغبية.

يدور حوار بين الشرطي ورجل يجلس وراء طاولة مترهلة قديمة منهكة بالية لا جدوى منها سوى أن الرجل يسند ساعده عليها ثم يقف ويحمل العصا ويبدأ في ضربه، يالهذا الحلم المزعج، متى استيقظ منه؟ يا لهذا المنام الطويل، ولكن لا جدوى!.

عليه إذن ان يصبر، وان يسكت لانه لن يقدر على التفاهم سوى بالهمهمة والصراخ والإشارة باليدين، في إشارات غير مفهومة البتة لهذه الكائنات التي ستبدو غريبة عنة رغم تذكره الآن بدرجة أوضح انه ينتمي لها، فقد أدرك انه يشبهها في الشكل، فهو يعرف الآن أنه لم يكن يشبه ذلك الحجر ولا تلك الشجرة، 

سيحاول أن يفهمها أن يتألم لكنهما يقيدانه الآن بحبال متينة ويقودانه إلى غرفة صغيرة ثم يرميان به وهو يتألم ويصرخ ويتمادى في الضحك وحده بعد أن يبدأ الألم في التلاشي ساعة يسد الباب ويبدأ ضجيج الخارج في الخفوت وتغيب الإضاءة كأنما المكان مظلم أو هو كذلك أو أن الشمس قد غربت.

 


 

 

أيسر الشذر

 

كان ايسر یحتضن إبنة احمد والدموع تسیل من عينة وھو يراه  غارق في دمه، وكان ھناك ثلاثة أشخاص یقفون ملامحھم غیر واضحة بسب النور المنبعث من خلفھم من مصابيح سیاراتھم التي تقف في الصحراء. 

 

و التوقیت كان منتصف اللیل :

 

نظر ايسر إلى الشخص طویل القامة الذي كان یقف في المنتصف بغل وغضب، 

والدموع تسیل من عیونه وقال له : لماذا فعلت ذلك؟ 

رد علیة بصوت هادئ مخیف : لأنة تدخل فیما لا یخصه

ايسر بغضب : سوف تدفع الثمن

رد علیة بنفس الھدوء : لن أمنحك الفرصة

صوب مسدسه نحو ايسر وأطلق رصاصة لتستقر في رأسه قبل إن يتحرك.

 


 

 

بعد مرور خمسة سنوات 

 

في احد الغرف الباردة الھادئة لإحدى المستشفیات كان ايسر يرقد في غیبوبة استمرت خمسة سنوات منذ إن أصیبت راسة بطلق ناري وتوفي ابنة في نفس اللیلة، یرقد ايسر هنا في ھذا المكان منذ خمس سنوات و من حین لأخر تقوم 

اخته نارين بزيارته وكذلك مساعده ماهر الذي یقوم بحارسة غرفته. 

لا یوجد أي أمل في إن یستیقظ ايسر مرة اخرى ھكذا اجمع الأطباء الذین أنقذوا حیاته بعد نزع الرصاصة من دماغ ايسر، فحسب وجھة النظر الطبیة ايسر ميت. 

ايسر رجل في الأربعین من العمر يعمل رجل أعمال وهو ناجح وقوي، یتمیز بالشعر البني الغامق الذي أصبح ألان طویل وعیون بنیة قویة المظھر وذقن كثيفة و وجه غیر معبر. 

الذي لا یعرفه الكثیرون إن ايسر تاجر سلاح، 

وان شركاته مجرد قناع لعملة الحقیقي ووحدھم المقربین له مثل ماهر و أخته نارين الذین یعرفون الحقیقة. 

وفي یوم من الأیام وايسر یرقد في المستشفى بدء عقلة یعمل و أعاد ذكرى الحادث ومنظر الرصاصة وھي تتجه نحوه فإذا بأيسر یستیقظ ویطلق شھقة قویة جعلته یجلس فوق السریر وھو یلھث مد یده نحوه رأسه ليلمسه ومد یده أيضاً نحو الفص الأیسر مكان الرصاصة فقام بوضع إصبعه على مكان الرصاصة 

فاصدر صوت كأن احد یدق على شيء معدني، 

نظر ايسر حوله في المكان وھو لایزال یستفیق من أثار الصدمة

فإذا بماهر یدخل علیة الغرفة وقد بدت علیة السعادة وھو یقول لقد عدت یا اخيراً.


 

نارين

 

من كان یتولي أعمالي 

قالھا ايسر بحضور نارين وماهر ردت نارين بشعرھا البني الطویل وعیونھا البنیة الواسعة وبشرتھا البیضاء وھي ترتدي أزیاء أنیقة : انأ كنت أتولى الشركة وماهر كان یتولى أعمالك الأخرى. 

نارين : ھل تعرف من فعل ذلك بك و بـ احمد

نظر ايسر إليها والغل واضح في عينه وقال : محمود البياتي ھو من أطلق النار بمساعدة زوجته ماريان و أیضا ظافر مجيد. 

نارين : یجب أن نخبر الشرطة بذلك

قال ايسر بصوت عالي : لا

نظرت إلیه نارين نظرة كأنھا تعرف ما یخطط له آخيھا : أنت ترید أن تصفي حسابك بطریقتك الخاصة صحيح. 

ايسر : نعم

ثم أكمل كلامه قائلاً : متى سأتمكن من المشي مرة أخرى 

ماهر : الطبیب قال بعد حوالي عام من التدریبات

ايسر في ھدوء : عام فترة كافیة جداً لتخطیط


 

 

بعد مرور عام

 

دخل ايسر وھو یمشي على قدمیه إلى قصره وخلفه كل من نارين وماهر، 

حيث قام كل الخدم بالترحیب بعودته ثم صعد إلى الطابق الثاني و بصحبته نارين، 

دخل ايسر إلى غرفة النوم واتجه نحو احد الرفوف وامسك صورة لزوجته الراحلة ثم جلس على السریر وكانت نارين تقف على باب الغرفة. 

 

قال ايسر وھو یضع یده على صورة زوجته : أني افتقدھا 

نارين : اعرف 

ايسر وفي صوته نبرة حزن عمیقة : أتعرفین أنھا أكثر حظاً مني

نارين باستغراب : كیف؟ 

ايسر : لم تعیش لترى ابنھا یموت 

نارين : لا یجب أن تفكر بھذه الطریقة 

ايسر : لا اعرف بأي طریقة أفكر یا نارين 

لقد آذیت كثير من الناس في حیاتي وقتلت الكثير، ربما ھذا ھو انتقامھم مني، وألان للمرة الأولى سأؤذي أشخاص یستحقون الأذیة. 

ثم نظر نحو نارين وقال : ھل تساعدیني

نارين وھي یبدو علیھا عدم الرضا على حال أخیھا : أنت تعرف أنني تبت وابتعدت عن ھذا الطریق. 

ايسر بتھكم هادئ وھو ینظر إلى القلادة التي ترتادیھا والمكتوب علیھا الله : نعم لقد عثرتي على طریقكِ الخاص لكني للأسف لم اعثر على ھذا الطریق یوماً 

 

نارين : مع السلامة یا ايسر 

 

قالتھا نارين وھي ترحل، بعدها دخل ماهر الغرفة وقال : ما العمل الأن 

 

نھض ايسر وھو یضع صورة زوجته على الرف وینظر إلى صورة ابنة فظھرت في عينه قوة وبریق لم یظھروا منذ زمن،  

 

ثم قال و صوته يمتلئ بالثقة : دعنا فقط نقول أن الانتقام سیصبح له اسماً جدیداً وھو ايسر.


 

ظافر مجيد

 

الله لن یغفر لعبد ارتكب ذنب في حق عبداً آخر إلا إذا غفر له العبد ذنبه، 

قالھا الشيخ حسن الجاسم وھو یلقي درساً بعد صلاة الجمعة،

الشيخ حسن رجل في الخمسینات من العمر متزوج من محامية وھي تقريباً في نفس عمره وتدعى شهد ايهاب ولیس لدیھم أولاد. 

كذلك هو رجل یتمیز شكله بالبدانة والشعر الأبيض واللحیة الكثيفة وعیون خاملة ولكن لا احد یعرف شيئاً عن ماضي الشيخ حسن حتى زوجته. 

بعد انتھاء الدرس رحل الجمیع باستثناء رجل واحد وھو ايسر، بقى ايسر مع الشیخ حسن فقط في المسجد، 

نظر إلیه الشيخ حسن باستغراب وقال : هل تحتاج إلى شيء

رد ايسر بسخریة ھادئة: إلا تتذكرني یا سيد حسن

ثم اقترب من الشيخ حسن إلى أن اصبح قریباً جداً منة ثم قال : أم یجب علي أن أنادیك باسمك الحقيقي ظافر مجيد. 

بدا على حسن الفزع وقال بصوت مرتعش : ايسر انه انت يا ايسر! 

قال ايسر وعلى وجھة ابتسامة عریضة و عينه تحمل بریق مخیف : اجل ايسر الذي ظننت انه انتهى وانه من المستحیل أن یفیق من الغیبوبة

ظافر بنفس الصوت المرتعش : ماذا ترید مني

قام ايسر بالإشارة فوق مكان الرصاصة التي في رأسه بإصبعیة فأصدرت صوت كصوت الدق على قطعة معدن.


 

 

ثم قال ايسر : أریدكم جمعیاً أن تدفعوا الثمن، ھل ظننت انك بعد أن اختفیت و أصبحت شیخ ستصبح انسان صالح، ھل ھذا یغفر لك ذنوبك برأيك! 

ثم وضع ذراعیة حول عنق ظافر و نظر مباشرةً في عينه وقال : ماذا كنت تقول في الدرس قبل قليل (الله لن یغفر لعبد ارتكب ذنب في حق عبداً أخر الاعندما یغفر العبد الأخر الذنب له) هاااا! 

ثم الصق وجهه في وجه ظافر وقال مع صوت یحمل الكثیر من الغضب والألم : أنا لن اغفر لك ذنب قتل ابني أبداً، وسأحرص على أن تدفع الثمن في ھذه الحیاة والحیاة الأخرى، 

قام ظافر بدفع ايسر بعيداً ثم قال بصوت عالي : ابتعد عني أنا لا أرید أن أراك ھنا ثانیة ھل تفھم ثم ابتعد إلى أن خرج من باب المسجد. 

قال ايسر بصوت عالي یحمل الكثیر من السخریة : ھل ستترك المسجد بدون شيخ یا ......شيخ! 

ثم أطلق ضحكة عالیة رجت أرجاء المسجد.


 

ماهر

 

في الانتقام أنا جثة متحركة لا تملك أي مشاعر أو أحاسیس، لا یوجد شيء تحت ھذا الجلد، مجرد فراغ مؤلم لا توجد أمال، لا توجد أحلام، لا توجد طموحات، لا يوجد شيء، حتى الألم لم اعد اشعر به بعد مقتل ابني،

1 2 3 4 5
Go to page:

Free e-book «إنتقام - رائد هيكل (best novels ever .txt) 📗» - read online now

Comments (0)

There are no comments yet. You can be the first!
Add a comment